هل فعلاً الإسكان في السعودية مشكلة كبيرة؟ скачать в хорошем качестве

هل فعلاً الإسكان في السعودية مشكلة كبيرة؟

أرض الأحلام المؤجلة: قصة "خالد" مقدمة: بذرة الحلم كان "خالد" شاباً سعودياً يقف على عتبة الحياة، وقلبه يفيض بالأحلام. في يوم زفافه، همس في أذن زوجته "سارة" بوعدٍ بسيط ولكنه عميق: "سنبني بيتنا معاً، جداراً فوق جدار". وبعد عام، حين احتضن طفلهما الأول "فيصل"، تجذّر هذا الوعد ليصبح حلماً دافئاً اسمه "بيت العمر". لم يكن مجرد بناء من حجر وإسمنت، بل كان رمز الأمان، والملجأ الذي ستنمو فيه ضحكات أطفاله وتترسخ ذكرياتهم. كان يرى في امتلاك المنزل حقاً أساسياً، وجذراً يربط أسرته بالأرض التي أحبها. لم يكن خالد يعلم أن الطريق لتحقيق هذا الحلم البسيط محفوف بعقبات لم تخطر له على بال. صدمة الواقع مرت السنوات الأولى من حياة خالد وأسرته سريعة، حاملة معها فرحة نمو الأطفال، وقلقاً متزايداً اسمه "الإيجار". كانت رحلة البحث عن سكن فصلاً متكرراً في حياتهم. كلما كبرت الأسرة أو زاد المالك الإيجار، حزموا أمتعتهم وذكرياتهم ليبدأوا من جديد في شقة أخرى. كان هذا الترحال المستمر يترك في نفوسهم ندوباً غير مرئية، فهو لم يكن مجرد انتقال من مكان لآخر، بل كان محواً قسرياً لتاريخهم الصغير. • فقدان الشعور بالانتماء: مع كل حي جديد، كانوا يبدأون من الصفر في بناء علاقاتهم مع الجيران والتعرف على محيطهم، وقبل أن يشعروا بأنهم جزء من المكان، كان عليهم الرحيل مجدداً. • ضياع الذكريات: رسومات فيصل الأولى على جدار غرفته، والعلامة التي حدد بها خالد طوله المتزايد، وأولى خطوات ابنته الصغيرة "نورة" على بلاط الصالة، كلها كانت تُترك خلفهم كصفحات ممزقة من ألبوم العائلة. • الإرهاق المادي والنفسي: كانت تكاليف النقل وتأمين شقة جديدة تلتهم جزءاً كبيراً من مدخراتهم، فضلاً عن الإجهاد النفسي المصاحب للبحث المستمر عن بديل مناسب ومحاولة التأقلم معه. في أحد الأيام، وبعد نقاش طويل مع سارة، قرر خالد أن يضع حداً لهذا الترحال. جمع كل مدخراته واتجه إلى مكتب عقاري، عازماً على شراء قطعة أرض ليبدأ أخيراً في بناء "بيت العمر". استقبله السمسار بابتسامة عريضة، ولكن سرعان ما تحولت هذه الابتسامة إلى نظرة واقعية قاسية حين عرض عليه الأسعار. نظر خالد في الأوراق بصدمة، وقال باستغراب: "هذا غير منطقي! ثمن هذه القطعة الفارغة يمكن أن يبني فيلا. كيف تكون الأرض أغلى من البناء؟". أجابه السمسار وهو يهز رأسه بأسف: "يا أخي، هذا هو الحال هنا. في كل العالم، الأرض قيمتها ٢٠٪ من تكلفة البيت، لكن عندنا، نحن نشتري التراب بسعر الذهب. البناء هو الجزء الأسهل والأرخص." خرج خالد من المكتب وقد تلاشت أحلامه. أدرك أن الأموال التي جمعها بشق الأنفس على مدى سنوات لا تكفي حتى لشراء قطعة أرض صغيرة في أطراف المدينة، فكيف سيبني عليها؟ شعر بأن حلمه يصطدم بجدار من الواقع لم يكن يراه، وبدأ يفكر في الحل الوحيد المتبقي أمامه: القرض العقاري. سراب القروض والأراضي البيضاء دخل خالد، الموظف المثابر في منتصف مسيرته المهنية، دوامة البنوك والأوراق الرسمية. قدم أوراقه للحصول على القرض العقاري، وكان كل يوم يمر عليه وهو ينتظر اتصالاً يحمل له البشرى. لكن الأمل تحول إلى خيبة عندما استُدعي إلى البنك ليخبره الموظف ببرود أن طلبه قد رُفض. السبب؟ راتبه لا يؤهله للحصول على المبلغ المطلوب. كان خالد واحداً من بين 45% من المواطنين الذين لا تنطبق عليهم شروط الاقتراض. غادر البنك وهو يتمتم في نفسه بصوت خافت: في مساء ذلك اليوم، قاد سيارته بلا هدف، ووجد نفسه في أطراف المدينة الشاسعة. لفت انتباهه منظر سريالي: كانت الأسوار الصدئة تمتد بلا نهاية، حارسةً فراغاً لا معنى له. لم تكن تحبس أرضاً، بل كانت تحبس الهواء والأفق وأحلام مدينة بأكملها. تساءل في حيرة: "كيف نعاني من أزمة سكن وكل هذه الأراضي مهجورة؟ لمن كل هذا الفراغ؟". في اليوم التالي، طرح سؤاله على صديقه "أبو ناصر"، الرجل السبعيني الذي شهد تحولات المدينة على مدى عقود. ابتسم أبو ناصر ابتسامة مريرة وقال: "يا خالد، هذه ليست مجرد أراضٍ فارغة، هذه هي "الأراضي البيضاء". قصتها تعود لعام 1969، حين أصدر الملك فيصل مرسوماً يمنع المواطنين من "إحياء" الأراضي، أي البناء عليها أو زراعتها، بحجة أن الدولة ستخططها وتوزعها بشكل منظم. لكن بعد وفاته بسنوات قليلة، تم توزيع هذه الأراضي الشاسعة المحيطة بالمدن ليس على الناس، بل على أبناء الملك عبد العزيز. احتفظوا بها دون تطوير أو بناء. هم لا ينوون بيعها اليوم، بل ينتظرون عقوداً حتى تتضاعف قيمتها أضعافاً مضاعفة، فيبيعونها ويحققون ثروات طائلة. إنهم يضاربون بأحلامنا". أنهى أبو ناصر كلامه، بينما غرق خالد في صمت عميق. أدرك في تلك اللحظة أن مشكلته ليست مجرد نقص في المال، بل هي أزمة نظامية، وجشعٌ تاريخي يحبس أحلام الملايين من أمثاله خلف أسوار تلك الأراضي الفارغة. شيخوخة في بيت مستأجر عبر الزمن بخالد سريعاً. تقاعد بعد أن أمضى أكثر من أربعين عاماً موظفاً يخدم وطنه بإخلاص. ها هو اليوم يجلس في شرفة شقته المستأجرة، يتأمل الشارع الصاخب في الأسفل، ويفكر في مسيرة حياته الطويلة. لقد أفنى عمره في العمل، لكنه وجد نفسه في النهاية واحداً من بين 60% من المتقاعدين السعوديين الذين لا يملكون منزلاً يأويهم في شيخوختهم. في أحد الأيام، كان ابنه فيصل يزوره، وتطرق الحديث إلى "راجو"، العامل الوافد الذي كان يعمل سائقاً لدى إحدى الأسر في حيهم القديم. قال فيصل: "أتذكر راجو يا أبي؟ لقد عاد إلى بلده منذ سنوات. رأيت صوراً له على فيسبوك، لقد بنى منزلاً كبيراً ورائعاً لأسرته هناك من الأموال التي جمعها من عمله هنا". لا تنسَ الاشتراك في القناة وتفعيل زر الجرس ليصلك كل جديد! لدعم القناة paypal.me/Alumri patreon.com/Alumri